إيران لابن لادن: افتح أبواب جهنم

إيران لابن لادن: افتح أبواب جهنم

جريدة الشرق الأوسط 26 يوليو  2018

فهد سليمان الشقيران

 

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ودخول الأفغان في حربٍ أهلية دموية، يمَّم أسامة بن لادن وجهه شطر السعودية، وبالتزامن كانت طبول الحرب تقرع؛ صدام حسين يعدّ جيشه لاحتلال الكويت، وبعد الاشتباك اعترض بن لادن، مثل أقرانه في المجاميع الأصولية، على تأسيس التحالف الدولي مع بريطانيا والولايات المتحدة لسحق جيش صدام وإخراجه من الكويت. بعد طول لأْيٍ قرر بن لادن المغادرة؛ الوجهة إلى السودان. الغطاء استثماري بحت. حطّت رحاله في عام 1990 بالعاصمة الخرطوم، وقد زارها قبلاً عام 1988 لغرض إغاثي بعد كارثة سيولٍ خلفت دماراً حينها. عوامل جذب كثيرة أخذته إليها؛ الأرضية الخصبة للزراعة والاستثمار، الصداقات القديمة، ضعف نفوذ الغرب هناك. «المجاهد الحالم» اختار السودان لاستراحةٍ لن تطول، والأفكار التي سيتداولها مع ضيوفه وأصدقائه وقيادات «الإخوان» والعائدين من الأفغان العرب ستكون نواة انبعاث تاريخي لتنظيم القاعدة.

يروي الصحافي السوداني عطاف عبد الوهاب أنه «وفي حي الرياض الراقي بالخرطوم شرق، كان أسامة بن لادن يسكن في منزل من ثلاثة طوابق… بمجرد وصوله إلى الخرطوم قام أسامة بإنشاء مشروعين رئيسيين في السودان؛ أحدهما مشروع زراعي بالنيل الأزرق، أطلق عليه اسم (وادي العقيق)، والآخر بشمال السودان، حيث أوكلت إليه (الإنقاذ) حينها تشييد طريق الخرطوم – عطبرة الاستراتيجي، أو ما يعرف الآن بـ(طريق التحدي)، وكانت (الإنقاذ) تهدف إلى أن يساعدها أسامة بن لادن في استخراج ثروات البلاد، وفي عمل مشاريع تعود على البلاد بنفع، خاصة أن (الإنقاذ) كانت في بداية عهدها بالحكم. ومعلوم أن زعيم (القاعدة) جاء إلى السودان، ودخل حينها بصفته مستثمراً… كل جهوده ونياته متجهة فقط إلى جانب الاستثمار في مجال التشييد والبناء، وهو المجال الذي تخصصت فيه أسرته… وأكد الترابي أن أسامة كان بعيداً عن السياسة وعن الأضواء والعمل العام طوال فترة إقامته في السودان».

ارتاح بن لادن للمساحة التي أخذها؛ الحريّة في التنقل ولقاء الأصدقاء والرفاق. شيء واحد يقلقه فقط، تقلّبات حسن الترابي… يروي لأحد زواره، وهو الصحافي الأميركي لورانس رايت، امتعاضه من شخصية الترابي، واصفاً إياه بـ«المكيافيللي». لم تكن علاقتهما على ما يرام؛ رسل النمائم بينهما كثر… يسخر الترابي من جهل بن لادن في الفقه والشريعة مثلاً.

استخدم الترابي بن لادن مادياً وابتزّ به سياسياً؛ وقد فعل. غير أن خطوةً نوعية سترسم نقطة تحوّل جذرية في استراتيجيات اللقاء والعداء بين التنظيمات الإرهابية السنيّة، وشبيهتها الشيعية، ولهذه قصّة رواها أيضاً الصحافي رايت في كتابه: «البروج المشيدة – الطريق إلى 11 سبتمبر».

بعد سنتين من الإقامة، عكف بن لادن على خطة شاملة؛ الهدف مواجهة «الصليبيين». بحث عن وسائل متعددة واستشاراتٍ نوعية تجعل اختتام القرن العشرين مثل حفلة مليئة بما تستحقه من القنابل النارية، ويمكن افتتاح الألفية بمشهد سينمائي على هيئة طائرات متجهة إلى برجين وهدفها الارتطام. كان بن لادن مصمماً على فتح أبواب جهنم. توفرت لديه الموارد البشرية والمال… بقيت الأفكار.

حضّ الترابي بن لادن على الاتجاه نحو أفكار أكثر تقدمية وعصريّة من الحرفية الفقهية الجامدة… «يمكن للتنظيمات إذا تشاركت واستفادت من بعضها أن تثخن بالعدو الجراح» قالها الترابي يشير إلى فكرة تحالف بن لادن مع «حزب الله». اقتنع بن لادن بالفكرة الساحرة التي قالها الزعيم السوداني متبوعةً بقهقهته الشهيرة، وابتسامته الماكرة. أوكل بن لادن مهمة التمهيد لها بصفوف التنظيم لممدوح سالم (أبو هاجر العراقي)، واختار آخرين من التيار الشيعي للقيام بمهمة الإقناع أيضاً. توجت تلك المبادرة بلقاءٍ مهم جمع عماد مغنية بأسامة بن لادن، لم يخفِ الأخير إعجابه الشديد بطريقة العمليات العسكرية لـ«حزب الله» منذ أوائل الثمانينات، وأساليب الاختطاف، وإدارة العمليات الانتحارية، ونسف السفارات. أراد لتلك الخبرات أن تحقن بكوادر تنظيم القاعدة. سافرت نخبة من أعضاء التنظيم إلى جنوب لبنان للتدريب، برعايةٍ وعلمٍ من إيران، صحيح أن التقارب بين التنظيمين كان من بنات أفكار الثعلب حسن الترابي، ولكن الرعاية جاءت من «الحرس الثوري» الإيراني؛ ولهذا دليل صارخ.

منذ أوائل الثمانينات والإسلام السياسي الشيعي، وتعاليم الخميني تتخذ مساراتها شرق السعودية، ضمن عدة تسميات ومطبوعات وتنظيمات بدأ أصلها العلمي في السبعينات، غير أن التحول كان، بحسب راصد مهم هو توبي ماثيسن في كتابه: «حزب الله – الحجاز»، بدأ في النصف الثاني من الثمانينات حيث تغول التعاليم الثورية… كرة الثلج ستكبر بعد عقد من ذلك التاريخ… في منتصف التسعينات كان التلاقي بين «القاعدة» وإيران و«حزب الله» على أشدّه. من المقربين لأسامة بن لادن شخص اسمه يوسف العييري المعروف بـ«البتار»، تدرّب بمعسكرات «الحرس الثوري» داخل إيران… هذا الرجل سيكون زعيم «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» قبل أن يُقتل شمال السعودية في حائل بعد مطاردة طويلة في 2 يونيو (حزيران) 2003، وقد تمتع بقدرة ميدانية فائقة… عاش التنظيم أنجح مراحله التكتيكية، وذلك بفضل الخبرات التي تلقاها بمعسكرات «الحرس الثوري» الإيراني، ليظهر اسمه ضمن عملية مدوّية خطط لها طويلاً.

في 25 يونيو عام 1996 انفجر صهريج مملوء بأطنان من مادة «تي إن تي» استهدف مجمعاً سكنياً للقوات الجوية الأميركية في الخُبر شرق السعودية، وقتل على أثره 19 أميركياً وأصيب المئات. العملية هذه تعبر عن نجاح الشراكة وتطور التنسيق بين كل من «حزب الله – الحجاز»، و«حزب الله» في لبنان، و«الحرس الثوري» الإيراني، وتنظيم «القاعدة». قبض على العشرات من تنظيم «حزب الله»، والعشرات من تنظيم «القاعدة». الشريكان أسامة بن لادن، وعماد مغنية، باركا هذه العملية التاريخية.

يروي لي صديق تائب، قبض عليه بعد تفجيرات الخبر، لانتمائه إلى «حزب الله – الحجاز»، أنه كان من الرفاق معه بالسجن القيادي بتنظيم «القاعدة» يوسف العييري. لم يكن لدى الأخير مشكلة في أي شراكة مع التنظيم الشيعي بميادين القتال، لكنه لم يرضَ يوماً مشاركتهم الأكل على سفرة واحدة… تلك قصة تحالف أسود شرير.

 

منذ أواخر التسعينات كان أسامة بن لادن يجري استشارات مستفيضة مع أعضاء مجلس التنظيم حول «العملية الحلم» التي ينوي القيام بها، يهمس في آذان مساعديه أن مخططه قادر على تغيير مجرى التاريخ… يروي الرجل الثالث بتنظيم «القاعدة» وكبير المستشارين الشرعيين محفوظ ولد الوالد (أبو حفص الموريتاني) أن سجالات حادة دارت بينه وبين أسامة. يرفض مفتي «القاعدة» القيام بمثل هذه العملية لاعتبارات شرعية بحتة، فالتأشيرة التي دخل بها أعضاء التنظيم للولايات المتحدة هي بمثابة «العهد» المحرّم نقضه مع أي كان حتى ولو كان عدواً. هذه المسألة الفقهية ستكون نقطة المفاصلة بين الاثنين. قبيل تنفيذ عملية أحداث 11 سبتمبر (أيلول) بأيام قدّم أبو حفص لابن لادن استقالته من كل مسؤولياته مع وعده له بأن يبقي هذه الاستقالة سراً حتى تتم العملية. قبل ابن لادن الاستقالة على مضض، ولكنه لم يلتفت لرأي مخالفيه في مجلس التنظيم.

«لقد علمنا بعد طول نقاش أن أسامة اتخذ القرار، وأعرفه جيداً حين يعزم على تنفيذ أمر لا يثنيه عنه أحد حتى لو اجتمع لذلك الثقلان» يقول أبو حفص.

بعد استقالته قام بكتابة مذكراته بما يزيد إلى الألف صفحة، وأجرى لقاءات وشهادات تلفزيونية مطولة كلها تدور حول ذكرياته مع التنظيم. والحقّ أن شهاداته تشكّل وثائق لا غنى عنها لأي باحث في تاريخ التنظيم وتحولاته وصراعاته، ومن بين تلك الشهادات حديثه عن علاقة «القاعدة» بإيران. أوكل بن لادن مساعده الموريتاني بتولي ملف تنسيق العلاقة بين التنظيم وإيران. في شهاداته ومذكراته لم يثبت فقط وجود علاقة متينة وقوية شملت صفقات تبادل أسرى وإنما يضيف أن إيران حاولت الذهاب بعيداً في ترسيخ العلاقة وتجذيرها معهم. يضيف أن تأسيس التحالف كان له أسبابه؛ من بينها الواقع الجغرافي الضاغط، إذ يحتاجون لمنطقة يعبرون بها من كهوف أفغانستان إلى أوروبا والولايات المتحدة، وقد وجد التنظيم في إيران الخيار الاستراتيجي المناسب. لم يشأ بن لادن إظهار التنسيق مع «الدولة الشيعية» إلى العلن لئلا يصاب أعضاء التنظيم في جزيرة العرب بالصدمة. يعترف الموريتاني بأن التنظيم على دراية كاملة بأن إيران تستخدم التنظيم كورقة ابتزاز مع أوروبا والولايات المتحدة، ولكنهم يعرفون كيف يتصرفون معها في حال تعرضوا لأي خذلان أو خيانة. لكن إيران أوفت بعهدها الوثيق الذي أبرمه الموريتاني الممثل الشخصي لأسامة بن لادن.

طوال تاريخ التنظيم لم تتعرض إيران أو مصالحها لأي هجوم أو أضرار مبرحة، باستثناء اختطاف دبلوماسيين إيرانيين لـ«أغراض محدودة». الطرفان حافظا على «تنظيم الخلاف». يقرّ أبو حفص الموريتاني بأن «وثائق أبوت آباد» التي أفرجت عنها الاستخبارات الأميركية والمتضمنة مراسلات بن لادن كلها «صحيحة، ومضمونها مؤكد». وعليه فإن حديث بن لادن عن إيران في رسائله يوضّح كيف حرس تنظيم «القاعدة» إيران من الاستهداف، وكيف حمت إيران قيادات التنظيم.

في رسائله يحذّر بن لادن من استهداف إيران، ويذكّر بأفراد عائلته المقيمين هناك، ويعتبر استهدافها غير مجدٍ لأنه سيفتح جبهة من دون طائل، وبخاصة أن إيران باتت «الملاذ للمجاهدين» بعد القصف الأميركي على أفغانستان.

إن علاقة «القاعدة» بإيران بدأت منذ أوائل الثمانينات، ولكنها بلغت نضجها قبيل أحداث 11 سبتمبر؛ وآية ذلك أن شهادة وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) – وكما عرضتها جريدة «الشرق الأوسط» في مارس (آذار) من عام 2016 – كلها تؤكد أن العديد من المنفذين لأحداث سبتمبر تلقوا دعماً من إيران، على مرحلتين؛ بدايةً الدعم المالي، وتالياً الدعم الاستراتيجي الميداني.

لقد عبروا جسر إيران قبل الانغماس في أميركا؛ الطريق إلى مانهاتن كان آمناً بفضل مساعدة سخية من إيران!

لا يزال التحالف بين تنظيم «القاعدة» وإيران يرقى لمستوى «التنسيق القوي»، إذ سكنها بطمأنينة عدد كبير من قيادات التنظيم، مثل سيف العدل، ومحمد الحكايمة، وسليمان أبو غيث، ومحمد الظواهري، ومصطفى حمزة، والوجه الجديد القادم بقوة لقيادة التنظيم حمزة بن أسامة بن لادن. سيف العدل – مثلاً – كتب في مذكراته «الانسياح في الأرض» عن إيران… كيف صارت أرض الانطلاق لتنفيذ العمليات الكبرى.

وأخيراً، وفي رسالة خطها بن لادن إلى الأخ كريم مكارم يقول وبعبارته غضب: «إن مسألة تهديدكم لإيران، لي عليها بعض الملاحظات، أرجو أن يتّسع صدرك وصدر إخوانك لها. إنكم لم تشاورونا في هذا الأمر الخطير، الذي يمسّ مصالح الجميع، وقد كنا نتوقع منكم المشورة في هذه المسائل الكبيرة. فأنت تعلم أن إيران هي الممر الرئيسي بالنسبة للأموال والأفراد والمراسلات وكذلك مسألة الأسرى».

 

تمكّنت الحركة الثورية الخمينية من إحياء الأصوليّات المتعددة. بعد وصول الخميني إلى طهران وصف بن لادن الخميني بـ«العظيم»، تمنّى أن يحقق مثل هذا الحلم في السعودية. منذ أوائل الثمانينات سيكون بن لادن متعلّماً من تجارب الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» وعماد مغنية، والذي سيتحوّل إلى حليفٍ يتخادم معه لتنفيذ تفجيرات عديدة ومنها عملية الخبر في منتصف عام 1996. والتعاون بين إيران وفروعها وأذرعتها وبين تنظيم «القاعدة» معروف لدى الأميركيين، وحين صممت السعودية على إكمال التحقيق في ملابسات التفجير حدثت قصّة طويلة رواها الأمير بندر بن سلطان.. قصّ بمرارة الصفقة المشبوهة بين فريق كلينتون وبين إيران لتحوير التحقيق ووأده بعد أن بينت الخيوط تورّط إيران الصريح في دعم المنفذين لتلك التفجيرات.

كلّف كلينتون مدير «إف بي آي» حينها لويس فريه للتعاون مع السعوديين لإكمال التحقيق، وأوصاه: «لا تترك حجراً من دون أن تقلِبه».

ويليام سيمبسون في كتابه: «الأمير» المتضمن سيرة وشهادات الأمير بندر يكشف التعقيدات التي حدثت، منها الخلاف بين إدارة كلينتون و«إف بي آي»، هذا فضلاً عن تردد مردّه إلى الصلاحية القانونية بعمل هذه المؤسسة خارج أميركا، مفرقاً بين تفجيرات الحرس الوطني وتفجير الخبر، يرى أن الأخير ضحاياه من الأميركيين وعليه فإنه بقدر ما يمسّ انتهاك سيادة السعودية وأمنها، فإن العائلات الأميركية تحتاج إلى نتيجة واضحة تطلع عليها بعد التحقيق. و«لاحظ فريه أن ثمة أمرين استثنائيين؛ اكتشاف تورّط إيراني على مستوى عالٍ جعل المملكة معرّضة للانتقام من أي إجراءٍ متخذ من إيران أكثر من الولايات المتحدة، وأن السعوديين وافقوا على إجراء قانوني يتمّ بموجبه تسجيل الإفادات والأدلة التي يدلي بها الشهود في السعودية، بحضور مدعين أميركيين، ومحامي المتهم وقاضٍ أميركي، وإعادتها إلى الولايات المتحدة واستخدامها في أي محاكمة أميركية». والصاعق في الموضوع أن فريه نفسه يعترف بأن «التفجير لم يكن هجوماً من (حزب الله الحجاز) فحسب، بل عمليّة كاملة موّلتها ونفّذتها القيادة العليا للحكومة الإيرانية من الخارج».

يعترف فريه بأن السعودية ذلّلت كل الصعاب من أجل إنجاز التحقيق على أكمل وجه، وذلك من خلال حلّ العقد بين النظامين الإجرائيين والقانونيين في البلدين. يقول فريه إن الأمير نايف بن عبد العزيز والأمير بندر بن سلطان كانا على ثقة بضلوع إيران وراء التفجير. خلاف حدث بين فريه وساندي بيرغر مستشار الأمن القومي الأسبق؛ الأخير حذّر من عواقب سياسية على أميركا في حال وصلت النتيجة لاتهام إيران، أجابه الأمير بندر: «لا نريد أن نتّهم بدفعكم نحو الحرب». كان عموم الإدارة الأميركية يتجه نحو موقف ساندي، وبعد تفاصيل طويلة ذكرها سيمبسون راوياً عن الأمير بندر اتضح عام 1997 أن الإدارة الأميركية كانت ليّنة تجاه التحقيق، اختارت البرود. يضيف: «تعمّدت الإدارة ترك التحقيق على غير هدى، فيما ركّزت جهودها على تحسين الروابط مع الحكومة المعتدلة في إيران»!

شعر السعوديون ببرود أميركي؛ الملفّات والتحقيقات تثبت تورّط إيران، وبالنسبة لسفير السعودية في واشنطن الأمير بندر: «فلو كان مكان كلينتون جورج دبليو بوش، أو ريغان، وقدّمت له الأدلّة التي تم تزويد الإدارة الأميركية بها لتم غزو إيران، إنني واثق من ذلك». كل ذلك التأجيل والوأد لنتائج التحقيق كان المسار الرئيسي لإصدار كلينتون في أبريل (نيسان) عام 1999 بيان مدّ اليد لإيران. قررت أميركا أن تعاملها بذلك الشكل مع التحقيق أمر راجع لها لأن الضحايا كلهم من الأميركيين، وبالتالي تم سحق ملف فريه، وعبّر الأمير بندر بالمرارة من هذه الصفقة المشؤومة، يقول: «لقد شعرتُ أنا وفريه بأسوأ استغلالٍ للسلطة، كان ساندي مندفعاً لإجهاض الاتهام، وشعر بالجذل أن أحداً لا يعلم إذن: (أبقِ فمك مغلقاً)».

يضيف سيمبسون: «إن إضعاف التحقيق في تفجير أبراج الخبر المثال الأوضح لانعدام الثقة الطويل والعداء المستحكم بين كلينتون وفريه. تحوّل العداء إلى صدعٍ عميق. البيت الأبيض كان فاتراً بشأن متابعة قضية الخبر».

تلك الرواية المختصرة، التي رويت بإسهابٍ في المرجع المذكور، تبيّن مستوى من الكرّ والفر بين المجتمع الدولي وإيران، لقد تمت مكافأتها على عملياتٍ إرهابية كارثية، وكما تململ كلينتون في التحقيق بتفجير الخبر، أدار أوباما ظهره لحلفائه الكبار، وأخذ يتملّق لإيران المعبر الرئيسي لجميع أشكال الإرهاب بالعالم، والأخطر تباهي حسن نصر الله بأن «حزب الله» عرضت عليه صفقة مليارية من إدارة أوباما عبر وسيطٍ أوروبي، ومن ثمّ يتساءل العالم عن مصدر الإرهاب وسبب انتشاره الدائم. لدى إيران اليوم ميليشيات في العراق واليمن وسوريا ولبنان وأفريقيا تموّله مباشرة من دون ردع. لو كان العالم جاداً في محاربة الإرهاب فإن محاربة ومحاصرة دول الشر هي الخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف. تلك المعلومات تبين مستوى الكارثة بتعامل القوى الكبرى بالعالم مع إيران.

يروي والي نصر المستشار ضمن إدارة أوباما أن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وفي سجالٍ صريح مع الرئيس قال له غاضباً: «اقطع رأس الأفعى».