الشؤون الإسلامية … والتقصير في محاربة الإرهاب

 

الشؤون الإسلامية … والتقصير في محاربة الإرهاب

فهد بن سليمان الشقيران

3 نوفمبر 2014 – خاص بالمدونة


في الظرف الذي تدار فيه وتعلّم وتمارس أقسى المفاهيم العنيفة المتصلة بالفكر الديني وخطابه، وبالمرحلة التي تخوض فيها السعودية حرباً ضارية بالداخل والخارج ضد التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم “داعش” مع كل هذا الغليان الاستثنائي التاريخي تستمرئ بعض المؤسسات الدينية-وعلى رأسها وزارة الشؤون الإسلامية-الخلود إلى التغافل والبعد عن الممارسة العملية بغية ضرب الإرهاب، وحين لامها الإعلام نشرت صحيفة “مكة” أن الوزارة طلبت 40 مليون ريال لمحاربة الإرهاب، وهو مبلغ خيالي عجيب. لاتحتاج شراكة الوزارة مع العالم لمحاربة الإرهاب إلى كثير مال، فلديها مائة ألف مسجد في السعودية، تستطيع من خلالها أن تؤثر إذا كان لديها استراتيجية واضحة.

ولمّا لحظ الملك عبدالله بن عبدالعزيز ذلك التخبط والتراخي والتغافل والصمت، قال كلمته الشهيرة الذائعة معاتباً رؤساء تلك المؤسسات الدينية بمافيها الشؤون الإسلامية التي لم تقم بدورها، وبرهان ذلك أن الثغرات تحدث بشكلٍ أسبوعي ويكشفها أهل الصحافة والإعلام بل وربما المؤسسات الأمنية وآخر تلك الكوارث ما نشر على موقع وزارة الشؤون الإسلامية حول الجهاد والدعوة إليه، والابتعاث وانتقاصه، ووصف بعض المجتمع بالانحلال ونشر التغريب.

لم تتخذ وزارة الشؤون الإسلامية على مر تاريخها استراتيجيةً واضحة للخطاب الديني الذي تريد إيصاله للمجتمع، إذ تتنازع المنابر تياراتٍ شتى، ويغيب الرقيب على الخطاب المبعثر ما بين الدعاة المتفرّغين الموظفين في الوزارة، وما بين حديث الأئمة بعد العصر وربما قبيل صلاة العشاء، وصولاً إلى خطبة الجمعة التي لم تضبط بشكلٍ صارمٍ حتى الآن!  وحين نشبت العديد من الأحداث الضارية على مدى السنوات الأربع الماضية لم توضح الوزارة الخط الذي تتخذه تجاه الذي يجري، فراح كل خطيبٍ يجيّش جموعه، وانفصل الخطاب المبثوث على المنابر عن استراتيجية ومناخ واتجاه الدولة التي لم تكن مع كل هذا الهياج الكبير الذي سمّي بـ”الربيع العربي”.

وحين لام الإعلام وزارة الشؤون الإسلامية على تقصيرها بالرقابة على الموقع ردّ الناطق باسمها:”ليس كل ما ينشر في الموقع يعبر عن رأي الوزارة” مشبّهين ذلك بالصحف التي تنشر الآراء التي لا تعبر عنها بالضرورة! وهذه التبرير أقبح من الذنب!

إن الذي يطرح حول الجهاد أو التغريب أو وصف الانحلال ليس رأياً، ثم إن الصحف تنشر الآراء المتعددة لكن ضمن الحد الضابط قانونياً ونظامياً، يحدّ كل المنشور سياسة التحرير والنشر التي توضع بناءً على رؤية ودراسة واستراتيجية صحافية مهنية وتسويقية تجارية. بينما موقع الوزارة يدخله الآلاف من المسلمين من أندونيسيا إلى المغرب وهو يحمل “أحكاماً شرعية” لا “آراء فكرية” وهنا الفرق الشاسع، وهذا وجه الغلط في ردّ الوزارة على الإعلام.

ما انطبق على الموقع ينسحب على محتوى المطبوعات التي توزّع، إذ رأيتُ العديد من العناوين التي تمت طباعتها لدعاةٍ لايبثون السلم الأهلي بالمجتمع إذ تطبع مثلاً للداعية سلمان العودة، وغيره ممن هم على ذات النهج، وأتمنى أن تراجع الوزارة مطبوعاتها لإيقاف كتب رموز الإخوان المسلمين في مصر والشام والخليج وذلك انسجاماً مع الأمر الملكي رقم أ / 44 وتاريخ 3 / 4 / 1435هـ والقاضي بتجريم الانتماء إلى الإخوان المسلمين والحوثيين وداعش والنصرة وحزب الله الحجاز، وعدم التشجيع على ذلك أو التحريض بالكتابة أو القول.

ثم إن العناوين المكتوبة، والمفاهيم المشروحة داخل تلك المطبوعات بعضها كارثي إذ تضرب عصب التعايش والتآلف بين المسلمين بشتى طوائفهم من إسماعيلية وشيعة وصوفية وغيرها، تحاول بعض المطبوعات مسّ هذا التعايش والضرب على وتر الاختلاف والتنافي والتنابز بالتبديع أو التفسيق، وغرس حالةٍ من الاصطفاء لصالح طائفةٍ على أخرى، بينما أساس المعنى الذي يراد أن يغرس في الخطاب الديني هو ما أسس له خادم الحرمين الشريفين عبر حوار الأديان وزرع المحبة والتسامح بين المسلمين جميعاً.

الوزارة مطالبة باتخاذ استراتيجية كاملة وواضحة لوضع آليات وأسس للخطاب الديني الذي يبثّ على منابرها، ومسؤولة عن تشكيل لجانٍ تختارها من حشود الموظفين لديها لغربلة وفحص المطبوعات المجانية من جهةٍ ولفحص الموقع من جهةٍ أخرى، ليس سراً أن الوزارة لا تستطيع تزكية جميع منسوبيها من الانتماء لهذا الفكر أو ذاك سراً وعلناً كما هو حال كثيرٍ من المؤسسات الأخرى، ولذلك فإن الرقابة الدقيقة على كل حرفٍ يطرح في منبرٍ أو موقعٍ أو مطويةٍ أو كتاب هي مسؤولية كبرى لأنها تمثّل مؤسسةً حكومية لا مؤسسة شخصية، وهذا ليس ترفاً بل واجب وطني وأخلاقي قبل كل شيء.

مثل هذه الثغرات تصيب الإنسان بالإحباط، بعد عقدين من الزمن على بدء السعودية محاربتها للإرهاب منذ عودة “الأفغان العرب” وأحداث التسعينات، مروراً بأحداث 11 سبتمبر وحادثة تفجير المحيّا وإلى الآن، وإلى هذه اللحظة يستطيع الإرهاب والتطرف أن يجد ثغرةً يدخل من خلالها، فلنفتح عيوننا فتحت الرماد وميض نارٍ يوشك أن يكون له ضرام، فلنضرب الإرهاب بذرةً قبل أن يباغتنا بشوكه.