يونيو 2016

الترفيه المؤسَّس.. ضد «العنف المقدّس»

 

الترفيه المؤسَّس.. ضد «العنف المقدّس»

فهد سليمان الشقيران

جريدة الشرق الأوسط 23 يونيو 2016

 

يعتبر الترفيه جزءًا أساسيًا وأصيلاً في وجود الإنسان وحيويّته مع الواقع. فهو يدرّب الذوق، ويساعد على رؤية الأمور بنسبية أكبر، وانعدام الترفيه يجمّد المجتمعات ويحوّلها إلى ركامٍ من البشر الراكضين بحقائق مطلقة من دون تعدد للرؤى ولا تنويع للزوايا التي يرون من خلالها الحياة والشعوب والأمم. فالمسرح على سبيل المثال منصّة لعرض الشخصيات، وإدارة الحوارات. في النص تتوزّع الحقيقة بين الشخصيات، وبالحركة والصورة والإنصات تتفتح للمتابع عوالم أخرى، وفضاءات رحبة. جزء أساسي من مهمة الدولة تهيئة أجواء الترفيه تلك، لهذا وعى الملك سلمان بن عبد العزيز ذلك، فأمر في السابع من مايو (أيار) الماضي بتأسيس «الهيئة العامة للترفيه»، وبزيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التقى مسؤولي «6 فلاغز» أكبر مجموعة متنزهات ترفيهية في العالم، حيث تضم المجموعة 18 مرفقًا منتشرًا في أنحاء أميركا الشمالية.. تشمل الحدائق الترفيهية والمائية ومراكز ترفيهية للعائلات، وبلغ عدد زوار مرافقها خلال عام 2014 نحو 25 مليون زائر!

 

الترفيه مفهوم عام، يشمل كل ما يخفف من أعباء الإنسان في الحياة. وحين يكون الترفيه مرتّبًا مرعيًّا ضمن عملٍ مؤسسي، فإنه يساهم في تمتين معنى الدولة، ويغذي المجتمع معرفيًا، ويرفد الجانب التربوي للأجيال الصاعدة، هذا مع كون الترفيه عملاً حيويًا يعنى بالتواصل مع الأشياء والعلاقة مع الآخرين، وصقل الذوق، والتدرب على تحسين الاختيارات، مما يسهم بالقدرة على تقليل مستوى الضغط الاجتماعي المؤذي سياسيًا.

 

للترفيه نتائجه الكبرى المفيدة تنمويًا، والمعينة على إسهام المجتمع وتفاعله مع السياسي في اتخاذ الإجراءات الصائبة تنمويًا واقتصاديًا واجتماعيًا، فالمجال الترفيهي بقدر ما هو رحب، فإنه يعزز من كفاءة الإنسان في وجوده ومحيطه. جزء كبير من الاحتقان المنتج للتطرف، والهيجان المسبب للاضطرابات الواقعية، وانتشار الظواهر الفجّة أمنيًا وأخلاقيًا سببه الاختناق في الواقع من دون أي نفسٍ ترفيهي، وهذا على المدى البعيد له نتائجه الكارثية سياسيًا. بالترفيه يمكن أن نحمي دولتنا ومؤسساتها، لنتجاوز تاريخية العيش المكرر، حيث اجترار الوقت ومضغه، من دون أي وسيلة تجدد الرؤية، وتصقل الموهبة، وتعين على نوائب الدهر. كل بيئة تخلو من ترفيه مؤسس، تنتعش فيها أعمال العنف المقدّس.

 

ولنعد إلى أطروحة مهمة لباربرا ويتمر، المعنونة بـ«الأنماط الثقافية للعنف»، ترى الكاتبة فيه «أن الأنماط الثقافية للعنف، هي أشكالٌ من القبول التي تعبّر عنها خطب الرموز والمؤسسات والمعتقدات، والمواقف والممارسات الاجتماعية في الثقافة، ويشير العنف إلى إيذاء أو تدمير الجسد، أو العلاقة التي يقوم بها شخص ضد الآخر، أو جماعة ضد أخرى». ثم تشير إلى دور الثقافة في النأي بالعنف عن أنماطه، إذ «التعبيرات الخلاّقة في المجتمع، هي التي تتجسّد في هندسة البناء والموسيقى والعلوم والمؤسسات التعليمية والفنون التطبيقية».

 

بالفنون، والترفيه، يمكن تأسيس نمط من الفهم للآخر، وللعالم المختلف، وللثقافات المتنوّعة. تذوي الحقائق الصماء بفضل شمس الفن ونور الترفيه، لأنه يمتاز عن التثقيف بكونه ليس رساليًا أو مباشرًا في تأثيره، بل له مخاتلته، كما أنه مرغوب من أكثرية المجتمع، بعكس النظرية الثقافية أو التغيير بالكتاب والقلم والقصّة. وحين يتأسس مجال رحب مشبع بالترفيه تتصاعد الرغبة في الحياة، وتخفّ عدوى اليأس، ويكسّر جليد المقاومة للآخر، والمعاندة له، ونهبط من عليائنا النرجسية التاريخية إلى الأرض، حيث البشر الآخرون، والأمم المشاركة لنا بهذا الكوكب.

الإنسان كائنٌ ضاحك، يقاوم حيرته بالسخرية، ويباغت وجوده بالحركة والقول، ويؤنس وحشته بالحوار، ويذلّل من أسئلته الكبرى عبر توزيعها على شخصياتٍ تتكوّن منها مسرحيّته في ذهنه ووجوده، ومن المسرح انطلقت الرؤية الحوارية الحقّة، حيث تسلسل الأفكار بين المتحاورين، وتكثيف الرؤى بين الشخصيات المتناورة على المسرح، ولأن المسرح ليس منبرًا، فإنه يعزز من دور المشاهد الحاكم على هذه الصيغة المطروحة، ويناشده أن يشاركه المسرح من خلال عينه، أو ضحكته، تصفيقه أو امتعاضه. ولأن المسرح هو الأب الروحي للفنون، والمنصّة الأكثر سحرًا وإدهاشًا في تاريخ البشر، فيمكن اعتباره أساسيًا في مجال الترفيه. في العصر اليوناني بدأ المسرح متنقّلاً بين المدن بشكلٍ خشبي، إلى أن أصبح لكل مدينة مسرحها، به ينفذ الفكر والشعر، وتطرب الأذن والعين، ويغذّى العقل، هكذا كان الإنسان منذ خمسمائة سنة قبل الميلاد.

 

الأمير محمد بن سلمان في حوارٍ معه، كانت رؤيته حول الترفيه واضحة فصيحة، حين أجاب: «مستوى دخل السعودي من أفضل دول العالم، لكن المشكلة أنه لا توجد الأدوات التي يستطيع أن ينفق فيها هذا الدخل، بشكلٍ ينعكس على رفاهيته في الحياة». جاءت هيئة الترفيه، وستحطّ الشركات الترفيهية الأجنبية بالسعودية، لصناعة بيئة رحبة، الترفيه ليس ترفًا، بل عصب أساسي ومكوّن رئيسي من دونه لا يكتمل وجود الإنسان الحقيقي، الجذل بالمعرفة، والمرح بوجوده.. وعلى حدّ تعبير نيتشه، فإن الحياة كلها «صراع من أجل الأذواق، والألوان».

 

السعودية وأميركا.. التحديات الكبرى تعزز الشراكة

السعودية وأميركا.. التحديات الكبرى تعزز الشراكة

فهد سليمان الشقيران

جريدة “الشرق الأوسط” 20 يونيو 2016

 

صوّبت زيارة الأمير محمد بن سلمان مسار العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، الممتدة لأكثر من ثمانين عامًا. بالتأكيد سيتغير شكل التحالف، وتختلف طريقة التعاون، لكن السعودية انفتحت على قوى في الشرق والغرب، ولم تضع كل مخزونها الاستراتيجي، والثقل السياسي، والملاءة الاقتصادية في محورٍ واحد، هناك تنويع في التحالفات وتجديد للتوازنات، هذا فارق جوهري يحايث الزيارة الأميرية التاريخية لتضع العلاقة ضمن حركة الواقع وتغيّرات العالم، وتحوّل شكل الأحلاف وموازين القوى، يرى الأمير محمد أن أميركا دولة حليفة نتشارك معها في مجموعةٍ من التحديات الكبرى بالمنطقة.

 

توجّه الأمير للشراكة الاقتصادية، زار سان فرانسيسكو حيث الشركات التكنولوجية الأميركية في وادي السيليكون، التقى رؤساء ومسؤولين، بعد أسبوعين من الإعلان عن شراكة سعودية استثمارية بقيمة 3.5 مليار دولار في شركة «أوبر» للتكنولوجيا، وهو ما يمنح السعودية مقعدًا في مجلس إدارة الشركة، وفق تصريحات رئيسها التنفيذي، والمؤسس المشارك ترافيش كالنيش، هناك توجه اقتصادي يتعلّق بـ«رؤية 2030» بغية تحقيق أهدافها والاستفادة من الشركات العالمية.

 

الجانب السياسي له حضوره، فالتدخلات الإيرانية في شؤون دول الخليج، ودعمها لحركات إرهابية مثل الحوثيين باليمن، و«حزب الله» بلبنان، والميليشيات الأخرى في العراق وسوريا في ازدياد. يعتبر الأمير محمد بن سلمان أن اضطراب المنطقة، وانتشار نماذج الدول الفاشلة بالمحيط يحتم على دول الخليج خاصة بوصفها نموذج الاستقرار العربي على تأسيس تحالفات، وتدوير الزوايا في العلاقات، وإنعاش ما تعطّل منها، بنهاية المطاف السعودية شريك أساسي لأميركا بنشر الاعتدال الإسلامي، ومهما كان التقارب بين إدارة أوباما وإيران، فإن الإرث السعودي التاريخي والثقل الديني، والمرجعية القدسية تجعلها الحليف الأول لأميركا مهما كانت الظروف، وإن اختلفت التقاطعات والرؤى، أو خذل طرف آخر في موضوعات تستحق التدخل الأميركي كما في الموضوع السوري. تستطيع السعودية بالخبرة الكبرى التي تمتلكها استخباراتيًا وأمنيًا أن تساعد أوروبا والولايات المتحدة من أجل القضاء على الإرهاب، واكتشاف الخلايا، وتمشيط الأسماء والقيادات في تنظيمي القاعدة وداعش.

 

في حوارٍ مهم أجرته قناة «العربية» مع رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) جون برينان، قالها بوضوح: «لدينا تعاون ممتاز مع المملكة العربية السعودية. وقد تعاونت مع شركائي السعوديين على مدى سنوات طويلة. فقد عملت في المملكة على مدى خمسة أعوام تحت قيادة ولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وخلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة أصبح السعوديون من بين أفضل شركائنا في مجال مكافحة الإرهاب. والأمر كذلك بالنسبة لتعاوننا مع الملك سلمان، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث نشعر أن لدينا فيهما شريكين قويين في المعركة التي نخوضها ضد الإرهاب».

 

التدخل الإيراني بشؤون الدول أخذ حيّزًا من الاهتمام والنقاش، فالاتفاق النووي لا يعني تحوّل إيران إلى حملٍ وديع، أو شريك استراتيجي للولايات المتحدة، هناك شروط لتحقيق ذلك، برينان يضيف بمعرفته ومكانته: «أشعر بقلق بالغ حيال دعم إيران للأنشطة والجماعات الإرهابية، وخصوصًا ما تقوم به قوة القدس داخل العراق وسوريا وفي بلدان أخرى في المنطقة. أعتقد أنه يجب عليهم أن يثبتوا التزامهم بمحاربة الإرهاب بدلاً من رعاية الإرهاب. لقد سررنا كثيرا بما حققه الرئيس روحاني من خلال علاقته بالمرشد الأعلى خامنئي في الحصول على موافقته على الاتفاق النووي. لكن لا يزال أمام إيران مشوار طويل قبل أن أقتنع بأن الإيرانيين جادون في محاربة الإرهاب والقضاء عليه».

 

لا يمكن أن يفكّ التحالف بين السعودية والولايات المتحدة، حتى وإن مرّت رياح عاتية، هذا ما يذكّر به عبد الرحمن الراشد في مقالته الخميس الماضي، حيث «الوثيقة النادرة التي كتبت في الأول من مارس (آذار) عام 1945 تبين طبيعة العلاقة السعودية – الأميركية المتوترة… في ذلك العام لم تكن الحكومة الأميركية قد عينت سفيرًا لها في جدة». قد تكون زيارة الأمير هذه هدفها استئناف رحلة الثمانين عامًا من العلاقات التاريخية والاستثنائية بين البلدين، التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كبيرة، بعض الأحلاف تنتهي، غير أن الظروف الإقليمية والدولية كلها تؤكد أهمية بقاء العلاقات في أوجها، لم تفلح أي دولة بالمنطقة أن تطرح نفسها على الغرب كبديلٍ للسعودية.

 

أميركا مفيدة، ولكنها قد تخذل حتى أقرب حلفائها، وعلى حدّ تعبير ثعلبها القديم هنري كسينجر: «على أعداء أميركا أن يخشوها، لكن على الأصدقاء أن يخشوها أكثر».

 

الراديكاليّة «الرمادية» ومآزق «الإسلاموفوبيا»

الراديكاليّة «الرمادية» ومآزق «الإسلاموفوبيا»

فهد سليمان الشقيران

جريدة “الشرق الأوسط” 9 يونيو 2016

 

من الممتنع نظريًا انتظار المفاهيم المدنيّة لتخرج من عباءات الراديكاليّين، هذا مثل التحديق بالقبّعة بانتظار أن يقفز منها أرنب. فالفكر الراديكالي لديه القدرة والطاقة على تجديد ألوانه، ورسم فضاءات أخرى متنوّعة تجعله على قيد الحياة. ولأن التنظيمات الراديكاليّة على درجاتٍ ومستويات حول العمل في الواقع ومستوى استعمال العنف، فإن التصعيد الذي قامت به «داعش» جعل بقية التنظيمات الأخرى ذات البعد السياسي البراغماتي تمارس نوعًا من التلوين على خطابها. الاستنجاد بالعلمنة، أو الأسس الليبرالية، أو الفضاءات المدنيّة مجرّد دعاية ذكيّة. لا يمكن لتلك التيارات أن تقوم بإجراءات إصلاحية في أحزابها وهي تحرس «المتخيّل عن المدنية» المفهوم الجامع بين الأحزاب الشمولية، والذي رصده أوليفيه روا، المتخيّل الكارثي الذي لا يمكن أن تقضي عليه ببضعة ألفاظٍ مدنيّة.

 

في الرابع من يونيو (حزيران) كتب ديفيد إغناتيوس مقالة بعنوان: «داعش يغذي الإسلاموفوبيا الغربية»، ينقل عن مؤسسة لابيس للاتصالات، وهي من المؤسسات الاستشارية في منطقة الشرق الأوسط وتعمل مع كينينغ وغيره من خبراء الاستراتيجية، في ورقة بحثية صدرت عنها مؤخرًا، لماذا يساعد «الإرهاب الإسلامي» المتطرفين، إنه «بدلاً من تقليص جهود التجنيد، فإنه يزيد من قيمة علامة الإرهاب التجارية بين جموع المسلمين، إننا نتعامل بالأساس مع عقلية المراهقين»، كما تؤكد المؤسسة نقلاً عن الإحصاءات أن 90 في المائة من المتطرفين لا تزيد أعمارهم عن 25 سنة. وهذه الزمرة من الشباب المتطرف المسلح تريد أن ترى العالم بأسره من خلال لونين فقط: الأبيض والأسود. والترياق الوحيد، كما تقول المؤسسة: «هو اللون الرمادي من الحلول الوسط الاجتماعية والتسامح».

 

طرح فكرة ترياق «الحل الرمادي» بوصفها الحل لانتشال الإسلام من قبضة «داعش»، قد تنعش مجموعة أخرى من النسخ الخطيرة على المدنيّة في أوروبا والعالم، فأكثر الجماعات رماديّة هي أكثرها تدميرًا، وجماعة الإخوان المسلمين التي أثار فصيلها التونسي «حزب النهضة» جدلاً في الأسبوعين الماضيين استطاعت منذ تأسيسها استعمال الصيغ المدنية، والأفكار الديمقراطية، والأدوات الانتخابية من أجل احتلال الواقع، والسيطرة على المجال العام. من الخطأ المراهنة على المسافة الرماديّة الكارثية بين الأبيض والأسود، والتعويل على هياكل لفظية تطلق بين فترة وأخرى هو استسلام أمام جحافل التطرّف.

 

مشكلة الحركة الإسلامية وعلاقاتها مع الصيغ المدنيّة تتمدد، والبحث في الأدوية والأمصال والترياق الناجح مستمر، وفي «منتدى العلاقات العربية والدولية» في الدوحة، عقدت ندوة حول هذا الموضوع خلال الفترة من 27 إلى 28 أبريل (نيسان) 2016. محمد الأرناؤوط لخّص ستًا وعشرين ورقة طرحت حول «الإسلاموفوبيا بين المتخيّل والواقع» وخلاصتها: «إن الأوراق التي تناولت الحالات الإسلاموفوبية الموجودة في ألمانيا والنمسا والسويد وهولندا وبلجيكا وإيطاليا وألبانيا واليونان وغيرها تؤكد ذلك أكثر وأكثر، بل إنها توضح أن الإسلاموفوبيا لم تعد يعبر عن قلق غير المسلمين من المسلمين بل أصبحت حاضرًا حتى في الدول الأوروبية التي تتميز بأعلى نسبة من المسلمين مثل كوسوفو».

 

بالطبع، تضمنت بعض الأوراق التعبير عن اتجاهات أصحابها المدافعة عن الإسلام الحركي في أوروبا، غير أن الأهم تثبيت كون الرهاب من الإسلام في أوروبا سببته الحركات العنيفة والتفجيرات المتسلسلة في لندن ومدريد وباريس وبروكسل وغيرها. نفس اللون الرمادي الذي نقل إغناتيوس بأنه ربما يكون حلاً نافعًا، دافع بعض المنتمين إليه في المنتدى المشار إليه عن تلك الحجج، مستدلين على وجود «إسلاموفوبيا» حتى في بلدانٍ أغلبيتها من المسلمين. بينما مشكلة الراديكاليّة بألوانها المتطرّفة أو الرمادية أنها تعادي الواقع، وترفض الغيرية، وتحتكر المجال العام، وتبني الحركة في الواقع على أسسٍ ليست دنيوية.

 

الدول الأوروبية حتى وإن راهنتْ على «الإسلام الرمادي» (الإخواني) فإنها تحاول إدماج حزب شمولي معطوب في تواصليته لغرض إشراكه بالحرب على «داعش»، وهذه ذروة الفشل والإخفاق، وبالعودة إلى مبحثٍ مهم لنيكولاس آدمز في كتابه: «هابرماس واللاهوت» (طبع بالعربية يناير/ كانون الثاني 2016) يخصص فصلاً غنيًا عن «الدين في المجال العام»، وبه ينقل اعتبارات هابرماس بأن المنبر العلماني فقط هو من يستطيع تنظيم تنوّع الفضاءات المقدّسة، والمجال العام هو ميدان الجدالات العامة، لتجتمع فيه الأديان المختلفة بعضها مع البعض، فالتيارات «الدينية» تحاول منذ العصور الوسطى تأسيس هويّة بين «الفكر، والعالم» بغية خلق تطابقٍ تام، وهذا أمر مستحيل منذ ظهور كتاب «كانط» (نقد العقل المحض 1781)، ثم يعلّق آدمز على رأي هابرماس ذلك بأنه، و«لكي يفهم المرء ما يقوله هابرماس حول الدين، فإنه يحتاج إلى تفسير كتاباته في سياق نقاشاته حول العقلنة والعلمنة، والنقاش العام».

 

ببساطة، فإن الراديكاليّة والإرهاب هما تعبير عن «خلل تواصلي»، وبمعنى آخر، فالإرهاب شجرته واحدة، ولا يمكنك التعويل على غصن الشجرة ليستأصل الجذع. والمجتمعات الإسلامية أمام تحدياتٍ كبرى، ومن دون التغيير الجذري لمركزية الرؤية الإسلامية للغرب، وتنزيه الذات من دمامات الكمال الواهم.. إن الرهاب من الإسلام صنيعة الإرهاب، ولله في خلقه شؤون.