حوار حول الأصولية والأحداث العربية

مقاربات لأسئلة طرحها الأستاذ: عبد الرحمن العصيمي في 2 مايو2012:
 

دبي:
-هل تحسّن الوضع في العالم العربي بعد اكتساح الإسلاميين للانتخابات في عدد كبير من الدول؟

كل نمط أيديولوجي حين يتحرك ويزحف ليكون قابضاً على هيئة الحكم ومدبراً لشكله لن يجر إلا الخراب، وصول الأصوليين إلى السلطة ليس حدثاً جديداً فقد جُرّبوا في السودان سنة 1989 بانقلاب حسن الترابي وعمرالبشير على النظام الديموقراطي في السودان بدعوى أنهم يتعرضون للإقصاء، فجاؤوا بإقصاءٍ مضاعف. تبخّرت كل أحلام الديموقراطية، وأحالوا البلد إلى ما هو عليه الآن، تسببوا في انفصال الجنوب، ومأساة دارفور. وهكذا فعلوا في غزة حين وصلوا إلى الحكم، ولا ننسى نموذج إيران. لهذا فإن مهاجمة ونقد وصول الإسلاميين إلى السلطة ليس تخوفاً سطحياً، بل هو خوف من تكرار تجارب مأساوية جربتها الشعوب، وها هي تعيد انتخاب الأصوليين لكأنها تريد أن تلدغ من ذات الجحر مرةً أو مرتين، ثم لا يتوبون ولا همّ يذّكرون.



-ما تفسيرك لاتجاه الشعوب العربية لاختيار التيارات الإسلامية؟

الأصوليون استخدموا العاطفة الملتهبة مع الشعوب التي احتجّت على حكامها وأنظمتها، اختفت خطابات أزرار الانترنت وصفحات الفيسبوك، وبقي الصوت الأصولي قوياً في الميادين، يراهن على انتخابه من خلال القصص الغيبية والأحلام، لم تعد الديموقراطية فعلاً مدنياً ذلك أن مناخاتها الدنيوية المطلوبة والضرورية اختفت. أصبحت الشعوب أمام نماذج متطرفة تستخدم الخطاب الزاعق بحثاً عن إقناعٍ وإلحاح يمكّنهم من الوصول إلى قبب البرلمان. وهم-حتى الآن- بجلساتهم البرلمانية تحولوا إلى أيقوناتٍ مضحكة تملأ كراسي البرلمانات بكل سطحية وإفلاسٍ سياسي.

ثم إن آلام الشعوب المقموعة بالطغيان وجدت متنفّسها في الخطاب القاسي الذي ينعش الغائب وينصره على الشاهد، ويجعل السياسة والديموقراطية ضمن عالمٍ افتراضي، بعيداً عن تحديات الواقع ومتطلباتها، من دون أن تطرح أسئلة الدولة، أو مفهوم الديموقراطية، أو واقعية وجود “ثورة” أصلاً، بدليل أن “الغوغائية” لا تزال قائمةً من جموعٍ من العاطلين عن العمل الذين يريدون الحرب على العالم كله، تحت ذريعة “إتمام الثورة” فيخربون ويسخرون من كل العالم. يقعون فرائس لأوهام الزهو الذاتي تحت دعوى مجدٍ أجوف بإسقاط هذا النظام أو ذاك، ولك أن تتخيل مصائر الثورات من دون انقلاب الجيوش، وهذا ما سرّع برحيل مبارك وبن علي، على عكس الجيش العقائدي السوري الذي بطّأ من سقوط النظام حتى الآن.



هل الثورات العربية آتت أكلها ؟ وما هي أبرز سلبيات الثورات برأيك؟

الاحتجاجات العربية هي نشاط على أرض الواقع، هدف إلى إسقاط النظام، ربما من سلبياته تلك الأسطورية المبالغ فيها لبدء الثورات، والتفسير الأحادي لاندلاعها. الاحتجاجات العربية أنشطة اجتماعية على أرض الواقع، ولا أبالغ إن قلت أن سلبيات الاحتجاجات تكمن تحديداً في إيجابياتها المتداولة إعلامياً، قالوا أن من إيجابية الثورة “انعدام القادة”، وهذه كارثة، إذ أصبح كل فردٍ يطالب أن تكون بلده على مزاجه هو، وكل من سخط خرج إلى الميدان.
سلبيات الاحتجاجات أنها سرّبت أوهام التقدم والثورة وأحلامها لدى الشعوب، بينما افتقرت أصلاً للشجاعة المطلوبة لمواجهة أسئلة التقدم. ثغرات الاحتجاجات هي التي مكّنت القاعدة من التمكن في الكيان السياسي الليبي، وهي التي فرشت الطريق للأصوليين من إخوانٍ وسلفيين لأن يتسيّدوا المشهد السياسي، معتمدين على “مظلوميات” تاريخية، وعلى خطابٍ ظاهره المدنية والتقدم، بينما تكمن كوارثه في تفاصيله، لهذا يعيش قادتهم في صفوفهم الأولى، بل وحتى الطرائد الهزيلة على أمجاد الوصول إلى السلطة تحت دعوى بدء مرحلة الانتقال والنور الجديد، وهذا وهم محض، ذلك أن التغيير الذي لا يشتمل على شعارٍ مدنيٍ واحد هو حالة من النكوص، أو ما أسميته في أحد مقالاتي بـ”النكبة الحضارية المضاعفة”.



-نقد متواصل على الإخوان المسلمين لماذا؟ وهل أنت متفائل فيما يخض الأوضاع الفكرية والسياسية في العالم العربي مستقبلاً؟

المشكلة في الأيديولوجيا الأصولية، ولعل البراغماتية التي تتبع من قبل الإخوان المسلمين بكافة فروعها ونسخها وتحديثاتها تحتّم على الباحث أن يفحص آراءهم وأفكارهم. بعضهم طالب بإسقاط الملكيات في إحدى الندوات وحين انتشر تصريحه نفى أن يكون قد تفوّه به، الأمر الذي اضطر مضيفيه أن ينشروا التسجيل على “اليوتيوب” فكُشفت الكذبة، أبان التسجيل عن كلامٍ تضمن الرغبة بالتطبيع مع إسرائيل وضرورة البدء بثورة في بلدانٍ خليجية. فهي جماعة متلوّنة تقول الشيء ونقيضه، استراتيجاتها المعلنة تخفي طموحاتها الباطنة. وكل جماعة أصولية تريد أن تسحب المجتمعات إلى ماضٍ تقليديٍ لا علاقة له بالدين أو المدنية هي جماعة تشكّل خطراً على مستوى سير البشرية واطمئنان الإنسانية.

بخصوص التفاؤل، لا أجد كبير فرقٍ بين عام 2010 وعام 2011 وعام 2012 كلها أعوام متشابهة، الفرق في أنشطة اجتماعية واحتجاجاتٍ في الشوارع، جرّت حتى الآن الكثير من الكوارث والخراب، ذهبت وجوه وجاءت وجوه أخرى، والأحلام الوردية والسنة الرومانسية الماضية لم تربطها إراداتٍ فكرية أو تنموية، بدليل الدروشة المطبقة على الحالة السياسية العربية.