الأصوليون.. أسماء متعددة لحلم واحد!

الأصوليون.. أسماء متعددة لحلم واحد!

جريدة الشرق الأوسط 27 يوليو 2014

فهد بن سليمان الشقيران

 

ربما كانت السنوات الأربع الماضية من أكثر الحقب المزلزلة التي مرت على الخليج، وذلك على مستويين؛ أولهما: التحديات، والآخر: انكشاف أذرع الأصوليات.

مرّ زمن طويل كان الفصل فيه بين تنظيم الإخوان وخلايا «القاعدة» هو السائد إعلاميا، وذلك عبر بث صيغ التمييز للإخوان الذين يستخدمون الخطاب العمومي المناوئ «شكلا وإعلاما» لـ«القاعدة»، والمناصر «انتخابيا» لشراكة المرأة، يصحّ هذا التمييز الخطير على الإخوان في الخليج ومن بعدهم جميع تيارات الإخوان في العالم. الأحداث التي جرت محضت التيارات، ووجدنا من كانوا يدّعون أنهم من الشيوعيين أو الليبراليين ينضمون إلى تيار الإخوان الذي بدا جارفا منذ بدء الاضطرابات. بيانات ورؤى ومقالات كانت منسجمة مع فكر رموز التطرف وقادة الأصولية، وذلك بتأثيرٍ من الشعارات الخادعة من الحرية إلى الديمقراطية والانتخابات وصناديق الاقتراع، وسواها من يافطاتٍ جرت الكوارث وأشعلت الحرائق وسفكت الدماء.

الذي يجري بالخليج، وتحديدا في السعودية والإمارات، عبارة عن جهدٍ كبير جبار لتجفيف منابع العنف والإرهاب، وتحجيم الأذرع التي تستخدمها الأصوليات. أدركت هذه الدول بوعيها أنه لا يمكن مواجهة التحديات من دون ضرب الأصوليات، وذلك عبر التجفيف الفكري، والمحاربة للمناشط الحركية الكارثية. ولعل الصراع الدائر حاليا في وسائل التعبير يدور حول محاولة حثيثة من الحركية الأصولية بغية تدمير الدور الذي تقوم به المؤسسة الدينية الرسمية. كان بعض الإخوانيين يطرحون العديد من الأفكار التي سموها «التنوير الإسلامي»، مجملها يدور حول حيلٍ في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، ولعل من أبرز الصيغ التي يستخدمونها ضرب المؤسسة الدينية من خلال نفي «الكهنوتية» عن الإسلام، نقرأ هذا الطرح لدى بعض المفكرين ممن كان لطروحاتهم الرواج في أواخر التسعينات إبّان نشوء ما عرف آنذاك بالتيارات العصرانية أو العقلانية ذات المرجعية الحركية المتحوّلة المجتزئة للنص الديني، ومن هنا كان لمحاولة طمس دور المؤسسة الدينية بعض النجاح الإعلامي للأصوليين خلال السنوات الأربع الماضية، لكنه نجاح لم يستمر.

من المعروف أن للمؤسسة الدينية تكوينها التاريخي ضمن تحديات الواقع على النحو الذي يسرده محمد نبيل ملين في كتابه «علماء الإسلام – تاريخ وبنية المؤسسة الدينية في السعودية بين القرنين الثامن عشر والحادي والعشرين» والتكوين الذي تمثّله المؤسسة الدينية، علاوة على حيويته الاجتماعية، فإنه يمثّل القيمة الرمزية للفقه والرأي الشرعي النافذ في المجتمع مع تجدد الأزمات، من هنا تكون ضرورتها في المجتمع المسلم ضمن الانسجام في الرؤية الحدَثية مع السلطان الذي يعبر بالناس خارج أزماتهم، ما تريده مجاميع الأصولية أن تفتت تلك المؤسسات ليكون الرأي الفقهي سائلا بين المفتين، وعشرات الدعاة، وآلاف المنظّرين، حينها يسهل عليهم ابتلاع الواقع، لأن كل ضعفٍ في المؤسسة الدينية هو مظنّة صعود الأصولية وشيوع التطرف والعنف.

كان للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في نظري أكثر الآثار السيئة على الأحداث في المنطقة، ذلك أن هذه المؤسسة ذات البنية الأصولية والمتفرّعة عن تنظيم الإخوان المسلمين تخدم الحزب الإخواني من المسلمين، هذا بالإضافة إلى التزيّد والادعاء الذي يشرحه الاسم «اتحاد – عالمي – علماء – المسلمين» هذه العبارات توضّح مستوى الوصاية على المجتمعات خارج إطار مؤسساتهم الدينية، إذ يتجاوز دور هذا الاتحاد الحزبي موضوعات المسلمين ومشكلاتهم إلى التدبير لهم.

كان التصرف حكيما وذكيا حين أعلن في أبوظبي وبحضور الشيخ عبد الله بن زايد إطلاق أول هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تعزيز السلم في العالم الإسلامي تحت اسم «مجلس حكماء المسلمين»، يترأسها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وتكون أبوظبي مقرا للمجلس. أظن أن مثل هذا المجلس بأهدافه ذات الطموح السلمي ونشر الاعتدال وترسيخ قيم الاستقرار هو ما يفيد المسلمين بوصفه جهة سلمية تعضد المؤسسات الدينية وتدعمها وتساهم ببنائها وحمايتها، على عكس اتحاد الإخوان المسلمين الذي ينشر الكوارث ويصدر بيانات النفير وفتاوى الحراك.

وضحت الأمور، ووضعت الأحداث أوزارها، وغيض الماء، وقضي الأمر، بانت الأصولية وحدة مترابطة، لا فرق بين قاعدة ولا سرورية أو إخوان أو قاعدة، داعش كانت فضيحة لهم لأنها استبقت تطبيق برامجهم، فذهبت بالميدان الأصولي راكضة إلى أقصاه، هذه هي الحكاية باختصار.