الشك في “الشماغ”

الشك في “الشماغ
فهد بن سليمان الشقيران
جريدة الحياة 14 أبريل 2010

 

ننتظر هذه السنة قرص شمسٍ ساخن؛ بإمكانه شواء أجسادنا،  ورغم إجماع الناس على حرّ هذا الجوّ ولهبه، ووقوعهم تحت وطأته، إلا أننا لم نشكّ بعد في أسباب استمرارنا في الاستسلام لألبستنا التي تزيدّ الجوّ حرارةً، وإذا كان الفيلسوف الألماني هيجل يقول:”الثياب هي مايصبح به الجسم دالاً وحاملاً لعلامات خاصة” فإنني لا أرى في ألبستنا –خاصةً في الحر- إلا الحصار الجسدي.  

في أوربا وبعد الثورات والإصلاحات بدأت سلطة اللباس كعلامة دالة على حرفة أو رتبة اجتماعية تخفّ وتتآكل، نظير تحوّل اللباس من غاية ترتبط بالهوية، إلى وسيلة تساعد على إتمام العمل وسهولته، على عكس ثقافتنا العربية التي تعتبر اللباس غاية في ذاته، لارتباطه بالهوية، ولعلاقته برؤية الناس لك. الناس يصنفونك على ما تلبس أحياناً. أما أن تلبس ألبسة مخالفة للهوية فأنت تقع في مشكلة مع النظرات الحارقة التي لا تقل حرارتها عن حرارة الشمس التي سيشوينا قرصها خلال الأشهر القادمة. ومع كثرة الحديث الدائم عن الأفكار والشكّ فيها، إلا أن ما ساءني غياب الحديث العلمي عن الألبسة وضرورة تغييرها والشكّ فيها. ومن أكثر ما أعجبني في هذا المضمار مقالة لعبد السلام بنعبدالعالي عن “اللباس والهوية” وهي مقالة إلا أنها مكتنزة بالدلالات فهي بحث مختصر لعلاقة اللباس بالهوية.  

فهو يرى: “أن خير وسيلة لخلخلة هذه الهوية اللباسية هو الكشف عن حركة تكوّنها”. وفعلاً فلو قلّبنا التاريخ، لوجدنا أن الهوية اللباسية جذوراً في التاريخ، وأنها توسّعت بتحوله. نحن في الخليج نضع على أجسادنا الالبسة التي تتميّز بالحصار خاصةً لمن يريد الحركة المستمرّة والعمل المنتج، فهي رغم فوائدها إلا أن هذه الفوائد قد توجد في ألبسة أقلّ حجماً منها، كما أن الضخّ الذي تمارسه أشعّة الشمس، والخيوط التي تجلدنا في الظهيرة تحتّم علينا أن نطالب مجلس الشورى بدراسة هذا الموضوع، لعرضه على المقام السامي من أجل المساهمة في تغيير النظام الذي ينص على “اللباس العادي” في الدوائر الحكومية، فالمُراجع مثلاً يجب أن يلبس اللباس الرسمي من أجل أن يعقّب على معاملته، وفي هذا النظام ترسيخ لسلطة اللباس التقليدي.

لقد كان لفترات المقاومة التي عاشها العالم العربي ضدّ القوى الغازية دور في استعمال اللباس كدلالة عميقة، لغاية التعبير عن الهوية الذاتية وعن الموقف الشخصي، كما هي حالة أغلب الدلالات الرمزية التي يغصّ بها المجتمع العربي، نظير ارتباطه بالكبت والقهر من الداخل والخارج، فآل به المطاف إلى استعمال اللباس كوسيلة وغاية معاً، أما اليوم ومع تحوّل العالم وتغيّره ومع اشتداد الأزمة المناخية وتحولاتها آن الأوان أن نشكّ في معاني ألبستنا، وأن نخضعها للفحص والتحليل، ولباسنا الخليجي اللباس المليء بالأطراف، بحاجةٍ إلى شكّ، خاصةً وأن اللباس الرسمي سيبقى له مواسمه التي يرتدى فيها، أما في أوقات كثافة العمل يحتاج المواطن إلى لباس يكون عوناً له على عمله بدل أن يكون عائقاً تصطاده الشبابيك والممرات. 

ذلك التلكؤ في تغيير اللباس ليس أمراً بسيطاً، إن هذا الطلب على سطحية تظهر للقارئ للوهلة الأولى، إلا أنه يشرح العمق الفكري الذي يكمن وراء تثبيت اللباس، إن هذا العسر الذي نشاهده من البعض إزاء هذا الطلب هو “عسر تجاوز حضاري” ومن هنا كان اللباس رمزاً وتعالى على كونه مجرّد وسيلة خاصةً في المجتمعات الساكنة التي سيتفزّها التغيّر. إن الشكّ في اللباس من إزارٍ ورداء يعتبر جريرة من جرائر الذنوب، إنها الصخرة الفكرية المتلبّدة على العقول والتي لا يمكن زحزحتها في ظروف ساكنة، وتحتاج إلى سنوات ضوئية من أجل تغييرها أو الشكّ فيها.

 وحتى ينقرض الحرّ سنظلّ نسنّ “مرازيمنا” كل مساء ونستهلك “المريتو” والـ”كبكات” ونظلّ نرفع أعناقنا في الشوارع والممرات ونطلق أرجلنا في الهواء، وننسى أننا حتى في ألبستنا نرزح تحت الاستهلاك؛ وأننا أصفار كثيفة ومتوالدة على الشمال.